ايتاشي
عدد الرسائل : 178 العمر : 34 تاريخ التسجيل : 23/02/2008
| موضوع: الانتقال الى الرفيق الاعلى السبت أبريل 05, 2008 1:51 pm | |
| مرض الرسول صلى الله عليه وسلم
كان ابتداء مرضه الأخير صلى الله عليه وسلم بيوم الاثنين فى أواخر شهر صفر من السنة الحادية عشرة للهجرة، وكانت مدة مرضه ثلاثة عشر يوماً على المشهور، وقال الحاكم: (وبدأ الوجع برسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت ميمونة لليلتين بقيتا من شهر صفر) وقالت السيدة عائشة رضى الله عنها: (لَمَّا ثَقُلَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاشتدَّ وجَعُهُ: اسْتَأذنَ أزواجَهُ أنْ يُمَرَّضَ فِى بَيتِى، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرجَ وَهُوَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ؛ تَخُطُّ رِجلاَه فِى الأرْضِ بَيْنَ العَبَّاسِ بن عَبْدِ الْمُطَّلِب وبَيْنَ رَجُلٍ آخَرِ، أى هو على بن أبى طالب) أخرجه البخارى.
وروى صاحب اللطائف: (كان أول مرض النبى صلى الله عليه وسلم صداع الرأس- والظاهر أنه كان من حمى، فإن الحمى اشتدت به فى مرضه فكان يجلس فى مِخْضَب ويُصَبُّ عليه الماء من سَبع قِرَب) والمِخضَب: إناء يغتسل فيه.
وعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: لما دخل بيتى واشتد وجعه قال: (أَهْرِيقُوا عَلَىَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبِ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنْ لَعَلِّى أَعْهَدُ إِلىَ النَّاسِ، فأجلسناه فى مِخْضب لحفصة زوج النبى صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نَصُبُّ عليه من تلك القرب حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتُنَّ) والأوكية: جمع وكاء وهو رباط القِربة.
وكان على رسول الله صلى الله عليه وسلم "قطيفة"، فكانت الحمى تُصيب من يضع يده عليه من فوقها من شدة السخونة، فقيل له فى ذلك فقال: (إنَّا كَذَلِكَ يُشَدَّدُ عَلَيْنَا البَلاَءُ وَيُضَاعَفُ لَنَا الأَجْرَ).
وفى البخارى عن عبد الله قال: دخلتُ على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يُوعَك وَعكاً شديداً فقلتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ تُوعَكَ وَعْكاً شَدِيداً !!، فَقَالَ: أَجَلُ إِنِّى أُوعَكَ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ. قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ لأَجْرَيْنِ؟ قَالَ: أَجَلْ ذلك، كذلك مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذَى شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَها إِلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا) والوعك: الحُمَّى
لَمَّا اشتد مرضه
وعن السيدة عائشة رضى الله عنها أنها قالت: (ما رأيتُ الوَجع على أحدٍ أشدّ منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقالت: (ولا أكره شِدَّة الموت لأحدٍ بعدما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) وروى البخارى عنها رضى الله عنها (أن النبى صلى الله عليه وسلم كان بين يديه علبة - أو ركوة - فيها ماء فجعل يدخل يديه فى الماء فيمسح بهما وجهه ويقول: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؛ إِنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٍ ...) الحديث.
ولما اشتد به وجعه صلى الله عليه وسلم قيل له عن الصلاة فقال: (مُرُوا أبَا بَكْرٍ فَليُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقُ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعُ النَّاسَ مِنَ البُكَاءِ، قَالَ: مُرُوا أبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. فَعَاوَدَتْهُ مِثَلَ مَقَالَتِهَا الأُولَى، فَقَالَ: إِنَّكُنّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ، مُرُوا أبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ) رواه الشيخان وأبو حاتم واللفظ له.
وقد صلَّى الصِّديق رضى الله عنه بالناس سبع عشرة صلاة، كما نقل الدمياطى. وروى البخارى عن أنس رضى الله عنه أن المسلمين بينما هم فى صلاة الفجر يوم الاثنين وأبو بكر يصلى بهم لم يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف ستر حجرة عائشة وهم فى صفوف الصلاة فنظر إليهم وهو قائم؛كأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة - قال أنس: و هَمَّ المسلمون أن يفتتنوا فى صلاتهم فرحاً برسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليهم بيده صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر وتوفى صلى الله عليه وسلم من يومه ذلك.
دنو الساعة
مازال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آخر عمره يُعَرِّض باقتراب أجله ويوصيهم من بعده حتى إذا دنا أجله: جمعهم يوصيهم، وكما ذكر الواحدى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: (نعى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قبل موته بشهر، فلما دنا الفِراق: جَمعَنا فى بيت عائشة فقال: (حَيَّاكُمْ اللهُ بِالسَّلاَمِ، رَحِمَكُمْ اللهُ، جَبِرَكُمْ اللهُ، رَزَقَكُمْ اللهُ، نَصَرَكُمْ اللهُ، رَفَعَكُمْ اللهُ، آوَاكُمُ اللهُ .. أُوصِيكُمْ بِتَقوَى اللهِ وَاسْتَخلِفُهُ عَليكُمْ وَأُحَذِّرُكُم اللهَ؛ إِنِّى لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينُ - أَنْ لاَ تَعْلَوْا عَلَى اللهِ فِى بِلاَدِهِ وَعِبَادِهِ فَإِنَّهُ قَالَ لِى وَلَكُمْ: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿أَلَيْسَ فِى جَهَنَّم مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ قُلنَا: يَا رَسُولَ اللهِ: مَتى أَجَلُكَ؟ قَالَ: دَنَا الْفِرَاقُ وَالْمُنْقَلَبِ إِلىَ اللهِ تَعَالىَ وَإِلىَ جَنَّةِ الْمَأْوَى، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَنْ يُغَسِّلْكَ؟ قَالَ: رِجَالُ أَهْلِ بَيتِى .. الأَدْنىَ فَالأَدْنىَ. قُلنَا يَا رَسُولَ اللهِ: فِيمَ نُكَفِّنُكَ؟ قَالَ: فىِ ثِيَابِى هَذِهِ، وَإِنْ شِئْتُمْ فِى ثِيَابٍ بِيضٍ مِصْرِيَّة أَوْ فِى حُلَّةٍ يَمَنِيَّةِ. قُلنَا يَا رَسُولَ اللهِ: مَنْ يُصَلِّى عَلَيكَ؟ قَالَ: إِذَا أَنْتُمْ غَسَّلتُمُونِى وَكَفَّنْتُمُونِى فَضَعُونِى عَلَى سَرِيرِى هَذَا عَلَى شَفِيرِ قَبْرِى ثُمَّ اخْرُجُوا عَنِّى سَاعَةً؛ فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُصَلِّى عَلىَّ: جِبرِيلُ ثُمَّ مِيكَائِيلُ ثُمَّ إِسْرَافِيلُ ثُمَّ مَلَكَ الْمَوْتِ وَمَعْهُ جُنودٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ، ثُمَّ ادخُلُوا عَلىَّ فَوْجاً فَوْجاً فَصَلُّوا عَلىَّ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً وَليَبْدَأُ بِالصَّلاَةِ عَلىَّ: رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِى ثُمَّ نِسَاؤُهُمْ ثُمَّ أَنْتُمْ ثُمَّ أَقْرَءُوا السَّلاَمَ عَلَى مَنْ غَابَ مِنْ أصحَابِى وَمَنْ تَبِعَنِى عَلَى دِينِى مِنْ يَوْمِى هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.قُلنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَنْ يُدْخِلْكَ قَبْرَكَ؟ قَالَ: أَهْلِى مَعَ مَلاَئِكَةِ رَبِّى) وكذا رواه الطبرانى.
ساعة الفراق
روى البيهقى فى دلائل النبوة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: (لَمَّا بقَى من أجَلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث: نزل عليه جبريل فقال: يا محمد إن الله أرسلنى إليك إكراماً لك وتفضيلاً لك وخاصة لك ليسألك عما هو أعلم به منك، يقول: كيف تجدك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أَجِدُنِى يَا جِبرِيلُ مَغْمُوماً وَأجِدُنىِ يَا جِبرِيلُ مَكْرُوباً) ثم أتاه فى اليوم الثانى فقال له مثل ذلك، ثم جاءه فى اليوم الثالث فقال له مثل ذلك، ثم استأذن عليه صلى الله عليه وسلم ملك الموت؛ فقال جبريل: يا محمد هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على آدمى قبلك ولا يستأذن على آدمى بعدك. قال: (اِئْذَنْ لَهُ) فدخل مَلَك الموت فوقف بين يديه فقال: يا رسول الله إن الله عز وجل أرسلنى إليك وأمرنى أن أطيعك فى كل ما تأمر، إن أمرتنى أن أقبض روحك قبضتها وإن أمرتنى أن أتركها تركتها. فقال جبريل: يا محمد إن الله قد اشتاق إلى لقائك، فقال صلى الله عليه وسلم: (فَامْضِ يَا مَلَك الْمَوْتِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ) فقال جبريل: يا رسول الله هذا آخر مَوطِئى من الأرض، إنما كنتَ (أنت) حاجتى من الدنيا..!! فقبَض روحه صلى الله عليه وسلم فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعوا صوتاً من ناحية البيت يقول: (السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، كل نفسٍ ذائقة الموت وإنما تُوَفُّون أجوركم يوم القيامة، إن فى الله عزاء من كل مصيبة وخُلفاً من كل هالك ودَركاً من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا؛ فإنما المصاب من حُرِم الثواب..، والسلام عليكم ورحمة الله وبركات. فقال الإمام عَلِىُّ: أتدرون من هذا؟ هو الخِضْر عليه السلام).
وكانت وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لثنتى عشر ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة وله صلى الله عليه وسلم ثلاث وستون سنة، ودُفِن ليلة الأربعاء؛ وكان آخر ما تكلم به صلى الله عليه وسلم: (جلال ربى الرفيع) رواه الحاكم عن أنس رضى الله عنه.
وقالت السيدة عائشة رضى الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح معافىً أنه لم يُقبَض نبىٌ قط حتى يَرى مقعده من الجنة ثم يُخيَّر، فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذى غُشِى عليه، فلما أفاق: شَخَص بَصرُهُ نحو سقف البيت ثم قال: اللَّهُمَّ فى الرَّفِيقِ الأعْلَى، فقلت إذاً لا يختارنا، فعرفت أنه حديثه الذى كان يُحَدِّثُنَا به وهو صحيحٌ، قالت: فكانت آخر كلمة تكلم بها اللَّهُمَّ الرَّفِيق الأَعْلَى).
وروى عن أبى مُوَيْهَة: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُوتِيتُ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ الأَرضِ وَالْخُلْدِ ثُمَّ الْجَنَّةِ فَخُيِّرْتَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّى وَالْجَنَّةِ؛ فَاخْتَرتُ لِقَاءَ رَبِّى وَالْجَنَّةَ). وعن طاوس مرسلاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خُيِّرْتُ أَنْ أَبْقَى حَتىَّ أرَىَ مَا يُفْتَح عَلَى أُمَّتىِ وَبَيْنَ التَّعْجِيلِ؛ فَاخْتَرتُ التَّعجِيلَ).
الحزن والرثاء
قال سالم بن عبد الله رضى الله عنه: (لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أجزع الناس كلهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فأخذ بقائم سيفه وقال: لا أسمع أحداً يقول مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ضربته بسيفى هذا (قال) فقالت لى الناس: يا سالم أطلب لنا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال): فخرجتُ إلى المسجد فإذا أنا بأبى بكر؛ فلما رأيته أجهشت بالبكاء فقال: يا سالم أمات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: إن هذا عُمَر بن الخطاب يقول لا أسمع أحداً يقول مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ضربته بسيفى هذا، فأقبل أبو بكر حتى دخل على النبى صلى الله عليه وسلم وهو مُسجَى فرفع البُرد عن وجهه ووضع فَاه على فِيهِ صلى الله عليه وسلم واستنشى الريح ثم سَجَاه، والتفت إلينا فقال:﴿ ومَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ، وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتُونَ﴾ يا أيها الناس: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حىٌ لا يموت، قال عُمَر بن الخطاب: فوالله لكأنى لم أتلُ هذه الآيات قط).
وقال ابن المنير: (لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم طاشت العقول؛ فمنهم من خُبِل ومنهم من أُقعِد فلم يَطق القيام، ومنهم من أُخرِس فلم يطق الكلام ومنهم من أُضنَى، وكان عُمَر ممن خُبِل وكان عثمان بن عفان ممن أُقعِد فلم يستطع حراكاً، وأُضنى عبد الله بن أنيس فمات كمداً، وكان أشجعهم أبو بكر الصديق رضى الله عنه وعنهم: جاء وعيناه تهملان وزفراته تتردد وغُصَصه تتصاعد وترتفع، فدخل على النبى صلى الله عليه وسلم فأكبَّ عليه، وكشف الثوب عن وجهه وقال: طِبتَ حياً وميتاً وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحدٍ من الأنبياء، فعَظُمتَ عن الصِّفة وجَلَلتَ عن البُكا، ولو أنَّ موتك كان اختياراً لَجُدنَا لِمَوتك بالنِّفوس، إذكرنا يا محمد عند ربك ولنكن من بالك).
وفى رواية السيدة عائشة عند الإمام أحمد: (أن أبا بكر رضى الله عنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم من قِبَلِ رأسه فحَدَر فَاهُ وقَبَّل جبهته الشريفة ثم قال: "وَانبِيَّاه" ثم رفع رأسه فحَدر فَاه وقَبَّل جبهته صلى الله عليه وسلم ثم قال:"واصَفِيَّاه" ثم رفع رأسه فحَدَر فَاهُ وقَبَّل جبهته وقال: "واخليلاه"). فكان أبو بكر رضى الله عنه من أكثر الناس حزنا على فراق خليله صلى الله عليه وسلم ولكن هى الخلافة والتكليف نقلها الله إليه فظهرت عليه حتى قبل أن يختاره الناس فأصبح مراعيا حقها.
وروى البخارى فى صحيحه: لما توفى عليه الصلاة والسلام قالت السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها: (يَا أبَتَاهُ؛ أجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أبَتَاهُ مَنْ جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ، يَا أبَتَاهُ إِلىَ جِبْرِيلِ نَنْعَاهُ).
وأخرج أبو نعيم عن الإمام على كرم الله وجهه قال: (لَمَّا قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد ملك الموت باكياً إلى السماء - والذى بعثه بالحق نبياً: لقد سمعتُ صوتاً من السماء ينادى: وَا محمَّداه كل المصائب تهون عند هذه المصيبة).
وعن أبى ذؤيب الهذلى: قال: بلغنا أن النبى صلى الله عليه وسلم عليل فأوجس أهل الحى خِيفةً وبت ليلة طويلة حتى إذا كان قرب السَّحَر هتف بى هاتف يقول أن النبى صلى الله عليه وسلم قُبِض، فقدمت إلى المدينة وكان لأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أَهَلُّوا بالإحرام، فقلت: مَهٍ؟ فقيل: قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وكان أحسن ما سمعت: قول حسَّان بن ثَابِت يرثيه عليه الصلاة والسلام .. قال:
كُنْتَ السَّوَادَ لِنَاظِرىِ
فَعَمِى عَلَيكَ النَّاظِرُ
مَنْ شَاءَ بَعْدكَ فَلْيَمُتْ
فَعَلَيكَ كُنْتُ أُحَاذِرُ
مراسم الدفن
غسله والصلاة عليه
أخرج أبو داود والحاكم عن الإمام على كرم الله وجهه أنه قال: (غسلته صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئاً، وكان طيباً حياً وميتاً) وزاد ابن سعد: (وسطعت ريحٌ طيبة لم يجدوا مثلها قط) وغُسِل صلى الله عليه وسلم ثلاث غسلات: الأولى بالماء القراح؛ والثانية بالماء والسدر والثالثة بالماء والكافور، وغَسله الإمام على بن أبى طالب، وكان عمه العباس وابنه الفضل بن العباس يُعِينَانه وقُثَم وأُسَامة بن زيد وشَقران مولاه صلى الله عليه وسلم يَصبُّون الماء وأعينهم معصوبة من وراء السِّتر؛ وذلك لحديث علىِّ: (لا يَغسِلُنىِ إلاَّ أَنْتَ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِى إِلاَّ طُمِسَتْ عَيْنَاهُ) قيل: وجَعل عَلِىُّ على يده خِرقة وأدخلها تحت القميص؛ ثم اعتصروا قميصه وحنطوا مساجده ومفاصله؛ ووضوؤه. أما تجهيزه صلى الله عليه وسلم: فكما روى عن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: (كُفِّنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثلاثة أثوابٍ يمانية بيضٍ سَحُولية من كُرْسُفٍ؛ ليس فيها قميص ولا عمامة) والسَحُولية: منسوبة إلى سَحُول وهى قرية باليمن، والكُرسُف: القطن.قال ابن عباس: (فلما فرغوا من جهازه يوم الثلاثاء وُضِع على سريره فى بيته ثم دخل الناس أَرسَالاً (أفواجا متتالية) يُصلُّون عليه حتى إذا فرغوا أدخلوا النساء حتى إذا فرغوا أدخلوا الصبيان، ولم يَؤُم الناس على رسول الله أحد).
دفنـه دُفِن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى موضع فراشه فى حجرة السيدة عائشة رضى الله عنها وذلك لقول سيدنا أبى بكر رضى الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَا هَلَكَ نَبِىٌّ قَطُّ إِلاَّ يُدْفَن حَيْثُ تُقْبَض رُوحُهُ).
وحفر أبو طلحة لحَد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى موضع فراشه حيث قُبِض؛ ثم دُفِن وسط الليل من ليلة الأربعاء؛ وأنزله فى قبره - على أصح الروايات - عَلِىُّ بن أبى طالب وعمه العباس وابناه: الفَضْل وقُثَم، وشُقْران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قُثَم بن العباس آخِر النَّاس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم. ورُوِى أنه بُنِى فى قبره صلى الله عليه وسلم تسع لبنات، وفُرِش تحته قطيفة نجرانية كان يتغطى بها صلى الله عليه وسلم: فرشها "شُقْران" فى القبر وقال: والله لا يلبسها أحدٌ بعدك .
ولما دُفِن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت السيدة فاطمة رضى الله عنها تبكى وقالت: "كيف طابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟!!.. وأخذت من تراب القبر الشريف ووضعته على عينيها وأنشأت تقول:
مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدٍ
أَنْ لاَ يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا
صُبَّتْ عَلَىَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا
صُبَّتْ عَلَى الأيَّامِ عُـدْنَ لَيَالِيَا وروى الترمذى عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: (لَمَّا كان اليوم الذى دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة: أضَاءَ منها كلُّ شئ، فلما كان اليوم الذى مات فيه صلى الله عليه وسلم أظلم منها كل شئ، وما نفضنا أيدينا من التراب وإنَّا لفى دفنه حتى أنكرنا قلوبنا).
-------------------- | |
|